تشكلت الصورة الذهنية لعلماء الدين في أذهاننا على أكثر من صورة و طبعا ً هنا تبرع أدوات التشكيل الجهنمية الممثلة في السينيما و المسرحيات و الصحف و المجلات و المناهج الدراسية و البرامج التلفزيونية و المسلسلات و المواقع الإلكترونية ومجمل وسائل ( الإعلام ) المكونة لوعي الجماهير .
هذه الأدوات المملوكة اسميا للعوام وفق نظام الحكم في مصر إلا أنها و بحرفية عالية جدا ً استطاعت أن تكون صورة ذهنية لرجال الدين ( سلبية طبعا ً ) وفق متغيرات الساحة .
فوعيي البسيط يطالعني على فيلم تجد فيه الشيخ ( الموانس ) للعمدة و هو يقول ( و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ) حتى يقنع الفلاح الفقير على تطليق زوجته ليتزوجها العمدة المفتري ... و ينسى الفيلم و تفاصيله كلها و تتبقى هذه اللازمة عالقة في الأذهان
ثم تطالعنا صور أخرى عن دجالين أو مشعوذين أو مندوهين دراويش يقولون أي كلام في أي حاجة إما للنصب أو للخروج خارج الواقع .
و أخرى تحدثنا عن مشايخ منافقين الدين وسيلة لهم لكسب الأموال أو النساء أو المناصب المختلفة ، و طبعا ً لا تخلوا الصورة من أعمال عن مشايخ كبار توثيقا ً لحياتهم و تاريخهم .
و لكن إذا سألت أحد عن الفقيه تظهر صورة في ذهنه أنه الشخص الريفي القادم من التجمعات النائية التي لا تعرف معنى التقدم أو المدنية و الذي عادة تبهره أضواء المدينة و ينقلب بعدها إلى ( الموانس ) للسلطة المنافق في سبيل ( المال أو النساء أو المنصب ) .
و على الرغم من وجود قنوات دينية كاملة و مجموعة من الدعويين على مختلف المدارس الفقهية إلا أن المسلك الذي يتخذونه لا يقصد بنفس الحرفية إلى تكوين ( الصورة الذهنية للفقيه المسلم ) .
فمن الشيخ الجليل محمد حسان ، يعقوب ، الدعاة عمرو خالد و مصطفى حسني و معتز مسعود هؤلاء دعاة و مشايخ أفاضل أفادوا الأمة على الرغم من اختلاف مدارسهم و اختلاف خطابهم الدعوي ، إلا أنه لا يزال العمل غير ممنهج و هناك شبه تنافس بين المدارس الفقهية على من الأصل و الأصوب .
هناك استثناءات لهذا الأمر و هو العلامة الدكتور زغلول النجار و هو نموذج وقدوة استطاع بفضل الله عليه أن يجمع بين الدين و بين العلم المادي و ترجمته في صورة ملموسة أمام الأعين .
و على الرغم من أن هناك تحفظات على مقارنة الكشوفات المادية بالقرآن لأنها متغيرة و الأدوات مهما بلغت من تطور فهي قاصرة و بالتالي كل لحظة هناك جديد و بالتالي نقارن بين فرضية و حقيقة و هو أمر لا يستقيم ، إلا أننا في واقع ( مادي )
فعند بدء الرسالة كانت أداة الدعوة اللغة فالعرب بارعون في اللغة و متخيلين تماما ً للصور البلاغية في القرآن الكريم و بالتالي فالعلم يصل إليهم مباشرة بعكسنا نحن الآن فنحن ( موكوسين ) في اللغة و تخيلنا ( مهبب ) و نقتنع أكثر بالأمور المادية ، و طبعا ً هذا لا يعني أننا نهمل اللغة كأداة أولى و رئيسية للتعلم .
كما أن نظام تعليمنا حتى الأزهري منه لا يهدف إلى تخريج الفقيه العالم الذي هو رمز المجتمع قدوة الشباب ، الفقيه الذي قد يكون طبيبا ً أو مهندسا ً أو عسكريا ً أو فلكيا ً أو إقتصاديا ً ... هذا ما أحلم به فإيماني أن نهضتنا من هنا بإذن الله .